ميراث الخوف

تنقسم أيدلوجياتنا في النظر إلى ما يسمى (الخوف) أو (الرهاب) بكافة صوره إلى فئتين: أيدلوجية تمثلها فئة حذرة جدًا تخاف من المستقبل، وأخرى أقل حذرا تثق فيه.

الفئة التي تخاف من المستقبل يتبنى أفرادها فكرة ربط حياتهم على أساس الاحتياط والأمان وترفع شعار (من خاف سلم)! المستقبل غالباً ما يرتبط لدى هذه الفئة بكوارث غير معروفة أو مصائب منتظرة، لذا تحب هذه الفئة  الحيطة والحذر، حياة هذه الفئة تختصر بالاستعداد للغد السيء، ولم أجد من المبدعين ولا المجددين من ينتسب لهذه الفئة!

بالمقابل، الفئة الأخرى يعتنق أفرادها مذهبًا يثق بالمستقبل لا بل ويحلم به، وهي الفئة التي لعبت أدوار البطولة في التاريخ وصنعت أوجها متنوعة للمجد وحولت الخوف من سطوة (الغول) إلى مجرد حمل وديع لا يكاد يوصف بأكثر من (الحذر).

وحيث إن سواد الأيدلوجيات ذهب الى التعايش مع ذلك الحذر من المستقبل، والسعي لضمان ديمومة الحياة وتطورها وضبط إيقاعها ولعب دور البطولة في مستجداتها ومعايشة قفزاتها المتسارعة؛ فإن الإنسانية وعلماءها وجدت في فرص الحوار محطات لتهذيب النزعات العدوانية عند بعضهم، والتفكير العقلاني المسؤول إزاء الكثير من المغامرات والقفز نحو المجهول.

الخوف، كحالة نشأت عليها أجيالنا و سياسة اعتنقها مربونا وآباؤنا، يمكن التعايش معه كمتغير لا كشرط، مثلما أن مشاعر الخوف والقلق تهيمن على ردود فعلنا وسمة مشتركنا لخطابنا؛ أعزائي: نحن نخاف من الإله ومن القدر، من السلطان، من (العيب) بمضمونه الاجتماعي، من الإعلام، أكثر من خوفنا من عدونا، ومن أنفسنا على السواء!

لقد أصبح الخوف حالة عاطفية ودرامية غريزية تتحكم بسطوة في حياتنا اليومية، وتحيل اخضرار البيئة لصحراء قاحلة، ومن أجل فتح الباب للتفكر، أقتبس هنا قولا أعجبني للمفكر فؤاد ابراهيم عن جمال التنوع وشدة حاجتنا له بقوله (نحن بحاجةٍ إلى بعضنا، فهذه الحياة تتسع لنا جميعاً، وفيها متسعٌ للآخر وإن خالف، ومكانٌ له وإن عارض، والحياة تتطلب التمايز والاختلاف، فالأضداد جميلة، والتباين إبداعٌ، والتنوع تطورٌ وتقدم، ما توافق مع الأخلاق، ولم يتعارض مع العقيدة والدين).

صدقوني إننا يجب أن نستثمر اختلافنا في اعتناق الخوف وتفسيره؛ ما نحتاجه هو حوار راق نعتلي بنتائجه على مسلمات طالما أغرقتنا بعرف لا نريده للخوف!

د. أيسر العمري

 

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “ميراث الخوف

ابو احمد العجلوني

كل إنسان له ايديلوجيا خاصه به ربما تتشابه فيها مع بقية الادياوجيات الأخرى ولكن تبقى الخصوصيه موجوده
كلام رائع جدا جدا دكتور أيسر وفقك الله ورعاك انت من المتألقين الرائعين في هذا المجتمع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *