الموت بلونٍ آخر!

وهل للموت ألوان؟!.. عندما يصدم القارئ بهذا العنوان المفضي إلى تلوين حقيقة يتعامى عنها البشر تشبثاً بحياة؟

إنه الموت يعرفه كل أحد، دون الحاجة لقلم كاتب ينبري هماً لتسيل من صدره كلمات يلقيها على قارعة طريق قارئ زاده الإعلام قلقاً وتشتيتاً، أو رساماً ينثر إبداع ريشته على جدار الحياة، محاولاً إضفاء شيء من البهجة على النفوس ليخفف لهيب حقيقة رانت على القلوب،عندما وضعها بعضنا على رف الغفلة والنسيان.

فجأة… ودون سابق إنذار تدفق نهر أخبار أهل السور العظيم ممتطية جياد وسائل الإعلام والتواصل، أناس يموتون في الشوارع والطرقات ، مدن أغلقت وتقطعت أوصالها ،وأصبح الكون الفسيح أضيق من خرم إبرة!

مصنع العالم ، وقبلة الحالمين بالثراء السريع، أصبحت موبوءة، وبالخطر موسومة، سرى الوباء كسريان النار في الهشيم، وأصبحت”ووهان” في خبر كان!

كنا نعد محاضراتنا، ودوراتنا التدريبية عن القيادة، والتخطيط للمستقبل في جامعاتنا وكلياتنا، فأصبحنا في وسط المعمعة. وتوقف كل شيء،وأصبح الذي نحبه أبغض شيء علينا ، نبتعد عنه وفاءً له ، وحرصاً عليه، أمسينا نتوجس خوفاً وهلعاً من عطسة كنا نتسابق لتشميت صاحبها، وبالكاد الآن نتورع عن شتمه!

لم يدر بخلد أحدنا مهما أوتي من مهارة وعلم في التخطيط والتنبؤ بالمستقبل أن يتوقع هذا الجو البائس الذي نتسابق فيه بعداً وقطعاً لكل صلة بأي تجمع فرحاً كان أو ترحاً. يموت الميت فلا يجد أحداً إلا أقرب الناس (وعلى حذر) للصلاة عليه ومواراة جثمانه.

انكشف الكثير  من المستور (وهو من الحسنات) على الأقل علمياً ، كنا نقول في التسويق (أن العميل دائماً على حق، والعميل أولاً)، والذي يؤكد عليه أساطين هذا العلم (غربي الولادة والمنشأ) ، ثم جاءت عاصفة كرونا لينقلب هذا المفهوم رأساً على عقب ، فالذي يمتلك المال اللازم لسرير مرض، وثمن علاج وجهاز تنفس فهو ذاك، وإن لم يكن، فليودع أحباءه، ويلقي عليهم النظرة الأخيرة.

وانتفض بعض دهاقنة الساسة بعد تراخ ودعة في بداية الكارثة، واستولى عليهم الخوف والهلع من الموت أو فقدان المناصب وكسادهم في لعبة الانتخابات، ليجدوا أنفسهم وقد بلغ السيل الزبى وعم الوباء وطم ، فسلموا قيادهم وانقادوا تحت وطأة المرض وندموا ولات حين مندم، فهذا الوباء ينتشر بسرعة البرق ، وهو الأخطر في تاريخ الأمم، وأسقط كثيراً من الأقنعة والمفاهيم الرنانة المزيفة التي يتغنى بها هؤلاء ومن يحذوا حذوهم ويدور في فلكهم.

والمؤمن في خضم هذا الجو المشحون بالخوف والهلع ينام قرير العين، فهو يتكئ على إيمانه بالله وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنه لا يتحرك ساكن ولا يسكن متحرك إلا بعلم الله وقدرته، حتى وإن لسعته أخبار الموت وبعثرت أحلامه الكوارث التي يصبها الإعلام فوق رأسه ليل نهار.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فنذكر وبمزيد من الشكر والامتنان لله وحده، أن هيأ لنا من أنفسنا ولاة أعطوا الأمر حقه ابتداءً بمزيد من الاحتراز وحفظاً للضرورات المأمور به شرعاً وبغض النظر عن التكاليف الاقتصادية فحياة  الإنسان أهم، فكانت بلادنا سباقة ورائدة في إجراءاتها التي كانت السبب بعد عناية الله عز وجل في التخفيف من وقع المرض.

لكننا وبمزيد من الأسف نجد أن البعض إلى هذه اللحظة لم يستوعب دقة وحرج الظرف الذي نعيشه، ولن نعدم وسيلة لإفهامه بطريقة تعرفها جهة الاختصاص.

وبعد. هذه ألوان حقيقة واحدة ، حاول كاتبها جمع شتاتها، وتسريح ضفائرها، فإن راقت فلله الحمد والمنة، وإن كانت الأخرى، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

محمد بن سعيد الصحفي
محاضر الإدارة والقيادة في الكلية التقنية بجدة
عضو المجلس البلدي بمحافظة خليص

 

مقالات سابقة للكاتب

3 تعليق على “الموت بلونٍ آخر!

عبدالعزيز علي الغامدي

ماذا نقول بعد هذا الابداع الصحفي ايها الصحفي البارع فكل كلمة هنا وضعت بعناية فائقة وتسلسل لافكار عظيمة جُمعت بدقة متناهية بهذا المقال.
شكرا لعطائك الذي ينضب ابا عمر.

مؤمل

جزالة كلمات وإبداع 👌🏻
يكفينا صدى وألم .. صلو في رحالكم 💔
لعلها تصل .. لمن كان له قلب ..

ابو ملاك

أبدعت في جمع شتاتها أبا عمر
ومن لم يستوعب هول مانسمع ونشاهد في أرجاء العالم والقُوى العظمى تتهاوى منظوموتها الصحيه واقتصادياتها وحقوق الإنسان التي كانوا يتغنون بها.
والحل ذُكِر في السِيَر بأنه في الحَجْر
على المستهترين والمتهاونين والمتساهلين إِعادة حساباتهم لفهم معنى إِدارة المخاطر والازمات والتعامل مع حالات انتشار الأوبئة والأسقام ليعيش بسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *