ربيع النهايات

‏اعتدنا وصف الرؤى من سفح أراضيها إلى ذروتها، وأنا في مقامي هذا سأصل إلى الجلاء من الذروة إلى السفح من النهاية إلى البداية.

ستجد المنى يستفيق من مضجعه غداة السعي من باكورة اليوم، وما التطلع إلا وتد العمر الآتي بعين اغرورقت فرحا وقلب حالم، وفي سدرة المعنى أيها القارئ طيب المغزى ومفاده قولي :إذا أردت أن تبدأ بداية مُشرِّعة أكنافها لك عليك أن تتخيل تلك النهاية وتعيشها قبل وصولك لها.

ذكر ستيفن كوفي في كتابه ( العادات السبع للناس الأكثر فعالية ) العادة الثانية وهي ( ابدأ والغاية في ذهنك ) ابدأ وفي مخيلتك تلك الغاية والنهاية، نادِها جالِسها تعهدها وارمق نحوها مقلتيك الوارفة شغفًا، اجمح بخيالك، شاهد مكانك هناك، وصولك ولوجك للمكان الذي ترنو له ستتداعى كل الهتافات أن أقبل، اجعل الخيال مطيتك و سرْجه عملك وتوكلك ليمضي بك مضي العاديات الراسيات على أرض ستترجل عليها، وتطلق سهامك فتفتق كل اشتباكات أوهام الوجل، اجرِس في مسامعك توكيدات تشنف مسعاك ويصدح بها مبتغاك. قادرٌ وسأصل، مكافحٌ وسأقمع الكلل، متيقن أن الوقت سيمضي وفي منتهاه تألقي يكتمل.

المعنى هنا وهاجًا وقادًا كأنه شمس في كبد السماء أردفت ملامسةً كل ما امتد، فلا يشع المعنى نحو أمر بعينه دون الآخر فكل الأمور على وضح المعنى الذي شسع وامتد، وكل خطوب الحياة تلحظ رايات التطوير وتشن جحافل العزم نحوها، بدءًا بالذات ومكنونها إلى خيوط الحياة كلها باختلاف طولها وقصرها جلّها ودقها، فالساعي نحو تطلعه تجد خُطا سعيه مدوّية ومن شدة وقعها يأتي بها الصدى مجلجلًا فثباته مدججًا مبجلًا مقدامًا تسامى في نظم أحمد شوقي …
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا

بندى عيني الأمل تفجّر الحرف ينبوعًا ثجاجًا، فالمسعى عالٍ كعبه .. مترامٍ سقفه .. مترسخٌ نهجه. مضى معاينًا المنتهى الربيعي الأخّاذ، عذبٌ هو صوت النجاحات لما اندق ريعانًا في القلب حتى أورق وألِق فصلصل حبورًا ، وانمحى كل شقاء وعناء معنون أنه فات فات، فلا يبقى سوى الوسم المبجل على مضي السنوات، فذلك هو ربيع النهايات.

جواهر محمد علي السلمي